الجزء الأخير من قصة #في_صيف2016
عاد الوضع مستقراً في الحي ، ارتحت نفسياً ، بقي الوضع أمناً ومستقراً لمدة عشرين يوماً ، سمعنا بعض الأصوات قبل يوم ولكن لم يكن مخيفاً بقدر تلك الأيام الصعبة التي مضت ، أغلب المحلات كانت مغلقة ، وكانت الحركة ضعيفة في أرجاء الحي.
حان وقت النوم ، فذهب كل منا إلى غرفته ليخلد إلى النوم ، في تمام الساعة 10 صباحاً سمعنا دوي قذائف و صورايخ ، لم نعد نكترث فقد اعتدنا ذلك ، بقينا ما يقارب أربع ساعات مختبئين في الغرفة الصغيرة ، ريثما يتوقف القصف قليلاً ، عندما هدأ الوضع اتجهنا أنا ووالدي إلى ورشة العمل ، تبعد عن منزلنا حوالي 500 متر تقريباً ، تأكدنا من سلامة المكان ، وفور دخولنا إلى ورشة العمل نسمع صوت قوي جداً ، اهتز المكان تحت أقدامنا من شدة الصوت ، و بدأنا نسمع أصوات صراخ مرعبة ، اختبئت تحت أدوات الخياطة ، طلب مني والدي البقاء بينما يخرج هو من الورشة ، بدأت بالصراخ بقوة ، وأخبرته أني أخاف البقاء وحدي ، فخرجنا معاً ، فوجدنا النيران مشتعلة في إحدى البيوت المقابلة لورشة العمل ، وأصوات الصراخ تعلو أكثر فأكثر ، مرت دقائق قليلة ، ووصلت سيارة الإطفاء مع الإسعاف لتخمد النار التي لم تترك شيئاً من المنزل ، دخلنا انا ووالدي إلى المنزل المحترق تماماً ، كان هناك رجل مسن و إمرأة مسنة يبكون بحرقة ويقولون : ابني احترق .. ابني مات ..!
أكملنا المشي في المنزل فإذ يدوس والدي على قطعة خشبية ، لاحظ وجود شي لزج عليها ، فقام برفع القطعة الخشبية فإذ بالشاب محترقاً تماماً من النار ، لم أحتمل المشهد أبداً ، وقعت في الأرض وأغمى علي ، وتحول وجه والدي إلى اللون الأصفر ، فقدت أمه المسنة وعيها وانهارت بالبكاء والنحيب على ولدها الذي احترق وهو في ريعان شبابه ، هنا بدأ الإسعاف يتفحص الجثة ليتأكدوا اذا كان هو الشاب ذاته ، أسرع والدي بالعودة إلى المنزل وترك باب ورشة العمل مفتوحاً ، فوجدت عائلتي منهارة بالكامل ، صرخ والدي بخوف : اصعدوا إلى السيارة فوراً ، ركضنا جميعاً إلى داخل السيارة ، وبدأت الاشتباكات مرة أخرى وأصوات الرصاص المتفجر تعلو بشكل فظيع ، هربنا من الحي ، و أنا عدت إلى حالتي ، نظرت من نافذة السيارة إلى الخلف فوجدت غيمة سوداء فوق حيينا ، هنا قطعت أمل بالعودة إلى منزلنا أو حتى زيارتها ، ربما أصبح حلماً .
بتنا ليلة في منزل عمي صغير ، وفي الليلة الثانية
عدنا إلى منزل جدتي ، و عادت بي ذاكرتي إلى كل ما حصل ، وأصبحت أرى كوابيس كالسابق ، أرى صديقي قد حفر على صدره نجوم خماسية وسداسية وأشياء لا توصف ، استيقظ صباحاً أراه أمامي بأشكال مخيفة مرة على شكل خنزير ولديه أقدام ماعز ، ومرة عندو قرنين كبيرين مخيفين ، وأشكال غريبة بقيت على هذا الحال خمسة أيام ، لم أكن أستطيع النطق بحرف واحد ، وجدتي تستمر بقراءة القرآن علي .
عندما رأى والدي حالتي هذه ، قرر بأن يسافر إلى محافظة أخرى ، تم تجهيز كل شيء للسفر من أغراض وصيانة للسيارة ، في صباح اليوم التالي نخرج من المنزل لكي نسافر ونخرج من هنا ، فور وصولنا المطار تم إخبارنا أن الطريق مغلق ولا يمكننا السفر ، انزعج والدي بالبداية ثم استسلم للأمر الواقع .
وبقيت أنا على حالتي التي يرثى لها ، تعبت كثيراً ولم أعد أطيق التحمل ، وأنا أرى كوابيس مختلفة في كل ليلة ، حزن والدي علي كثيراً ، فقرر أن يحضر لي شيخاً ، جاء الشيخ وأصبح يقرأ القرآن ، تحسنت حالتي وأصبحت في حال أفضل .
هنا قررت أن انتقم لصديقي وانتقم من هذا المبن اللعين ، لم يكن لدي الخبرة بهذه الأمور ، فأحضرت سكيناً ووضعته على خاصرتي وبدأت اكتب عليه آيات قرآنية ووضعت المصحف الشريف بجيب سترتي ، ودخلت المبنى بكل ثقة ، ارتفعت حرارتي في البداية من الخوف ، ثم شجعت نفسي وبدأت بتلاوة القرآن بصوت عالي ، وألصق الآيات القرآنية على الجدران ، فجأة سمعت صوت صراخ عند وصولي إلى الطابق الثاني ، رأيتك شكلاً يشبه شكل صديقي لكن أظافره طويلة مقززة ، كان يأكل الجثث الميتة على الأرض ، هنا من شدة خوفي أصبح أركض على السلاسم إلى الأسفل حتى خرجت من ذلك المبنى .
عدت إلى المنزل ، مرت 3 ليالي ، كانت من أصعب الليالي التي تمر علي ، أصبحت لا أستطيع التحكم بجسدي وكأنه شل ، جلب والدي الشيخ مرة أخرى وبدأ بقراءة الرقية الشرعية ، ثم طلب من والدي الخروج من الغرفة ، وقال : انت قد قمت بفعل خاطئ مع الجن ، اسمي شيخ الجامع ،عندما تقرر أن تخبرني فأنا جاهز لسماع حديثك ، وذهب .
مضت أول ليلة ، كانت حالتي جيدة ولكن حرارتي مرتفعة جداً ، فكرت في ما قاله الشيخ لي ، قلت في نفسي يجب إخباره بالقصة ، تشجعت وذهبت إليه وأخبرته بكامل القصة ، قال الشيخ : يجب فك السحر وبأسرع وقت ممكن ، وقرر أن يذهب معه إلى المبنى المسكون .
حاول الشيخ مساعدتي وقرر الذهاب معي إلى المبنى المسكون ، أخذته إلى هناك وبدأ يتلو القرآن بصوت شجي جميل ، غلبني النعاس لحظتها ، ونوافذ والأبواب تفتح وتغلق لوحدها ، والأضوية تطفى وتنير لوحدها ، خفت كثيراً بينما أحاول فهم ما يحدث ، والشيخ مستمر في تلاوة القرآن وهو يمشي بين هذه البيوت ، إلى حين وصلنا إلى الطابق الثاني ، هنا شعرنا بشيء غريب جداً ، قال الشيخ : لنكمل إلى الطابق الثالث والرابع ، صعدنا وأحسست أن الحرارة تنخفض شيئاً فشيئاً ، قال الشيخ : إن الطابق الثاني فيه سحر أو شيء لا يسمح لأحد بالاقتراب منه .
قال : هيا اخرج إلى خارج المبنى ، وأنا سأتصرف
ركضت بأقصى سرعة على الدرج المكسر والحيطان السوداء البشعة ، وصلت إلى الأسفل والشيخ بقي في الأعلى ، اسمع أصوات القرآن ، فجأة توقف الصوت ما يقارب الدقيقتين ،فإذ بالشيخ يصرخ : أنقذني .. تعال وأنفذني ...
ركضت إلى الطابق الثاني ، فإذ أرى الشيخ مقطعاً إرباً إرباً وهو في بركة دماء كبيرة ، وصديقي يتناوله كالمجنون ، صرخت بأعلى صوت عندي وعدت إلى المنزل ابكي وأصرخ وأندب حظي ، تمنيت الموت في لحظتها .
كانت أصعب لحظة في حياتي ...
هدأت نفسي وبدأت أفكر ، هذه البركة هي نفس بركة الماء الأزرق الذي وقعت فيه ..؟؟
في هذه الفترة عاد والدي إلى النوم في اامنزا في حيينا ، وبدأ الوضع يستقر مرة أخرى ويعم الأمان في المنطقة .
علمت أن هذه اللعنة ستبقى مترافقة مع حياتي حتى لو عدت إلى منزلنا ، لذلك لا بد من حل الأمر .
قررت أن آتي ببعض الماء وأقرأ القرآن عليه ، وانثره في أرجاء المبنى ، ذهبت إلى المبنى ، الطابق الثاني ، كاد قلبي أن يتوقف عن العمل من شدة الخوف ، بدأت بنثر الماء المبارك على كل الجدران
وأقرأ القرآن بكل ما لدي من حيلة ، كانت المياه تنشف بسرعة ، فأعيد نثر الماء مرة أخرى ، شعرت للحظة أن المبنى سيقع فوق رأسي ،خرجت مسرعة .
منذ ذلك الوقت شعرت براحة نفسية كبيرة ، مضى أول يوم ، لم أرى أي كابوس أثناء النوم ، أنام بسكينة وهدوء .
استقر الوضع في حيينا ، وقررنا أن ننتقل إلى منزلنا الأساسي ، حتى أتت تلك الليلة الحارة جداً ، فإذ استيقظ فجأة ،فأرى نفسي في مكان مختلف تماماً ، يحيطني أناس مخيفي الشكل ، يقولون بأنني قمت بإيذائهم وهدم حياتهم ونريد الانتقام منك ولن تري يوماً جميلاً في حياتك .
استيقظت وعيناي متورمة و في رأسي جرح ، وعلى جسدي بقع زرقاء ، ولا أستطيع التحدث بشكل سليم .
عدنا إلى الشارع الذي مات فيه الطفل الصغير وكانت دمائه منتشرة على الجدران ، عادت بي ذاكرتي إلى الماضي ، وتدهورت حالتي مرة أخرى ، اصفر وجهي ، أصرخ بأعلى صوت ، لا أريد أن العودة إلى المنزل .. لا أريد.
ذهبت إلى غرفتي كي أخذ قسط من الراحة ، مضى أسبوع دون أي أعراض جديدة ، بدأت بالدوام في المعهد مرة أخرى
مضى شهر وأصبح وضعي جيد نوعاً ما ، بعد شهر من الراحة ، طلب مني والدي إحضار بعض الوقود من منزل جارنا في الطابق الأرضي ، ترددت كثيراً بالنزول إلى هناك ، و عادت ذاكرتي السوداء ، الشيخ .. صديقي .. الطفل ..
تمالكت نفسي ونزلت إلى الطابق الأرضي ، دخلت من الباب ، لم أكد مشيت خطوتين ، فاسمع صوت طرق باب خفيف ، فتح الباب ، فإذا بالطفل الصغير وهو يمسك دماغه بيديه و الدم ينقط منه ويقول يصوت أجرش خشن : أعيدوا لنا سيارتنا .
أغلق الباب بقوة وأصرخ بصوت عالي .. لاااا .
فإذ أرى صديقي أمامي وعلى صدره نجمة خماسية ، وأصرخ بكل ما لدي من قوة ، أخرج من الغرفة وأتجه نحو المطبخ لأحضر سكيناً ، عندما أدرت وجهي وجدت الشيخ أمامي ينظر إلي بعيون حمراء يملؤها الشر وشعره الأسود ، فقدت وعي .
بعد ساعتين أجد نفسي غارقاً عند باب البيت في تلك المياة الزرقاء ذو الرائحة الكريهة في البيت المسكون .
فتحت عيناي فأرى عائلتي ينظرون إلي ، ويسخرون مني مما قد حصل ، وقد حلفت وقتا أنني لن أدوس منزل الحار مرة أخرى .
بعد فترة وجيزة ، عدت إلى طبيعتي ، مازلت أرى الكثير من الكوابيس ولكن أعتدت عليها .
بعد مدة قصيرة أحضر والدي شيخاً وأخبرته بالقصة كاملة ، ذهبت وإياه إلى المبنى المسكون ، الطابق الثاني ، استطاع أن يكشف السحر عندما رأى الماء الزرقاء ، مد يديه إليها فوجد قطعة قماش مكتوب عليها بعض الكتابات الغريبة ونجوم خماسية ورباعية وسداسية ، بدأ بقراءة القرآن عليها ، ثم عدنا إلى المنزل وبدأ بفك السحر .
تحسنت حالتي كثيراً ، وقررت أن أكمل حياتي وتعليمي ، وأصبحت أنزل إلى منزل جارنا بأمان ودون خوف .
بعد مدة 3 أشهر ، زرنا بيت جدتي فنظرت من النافذة إلى المبنى ، فرأيت المبنى مكتظ بالناس ، وعاود الناس السكن في منازلهم ، وعاد الأمن والأمان إلى حياة.
تعليقات
إرسال تعليق